الأم.. صرح قدسي.. وهبة سماوية من نعمه تعالى على البرية..
الأم.. عزف على قيثار الأزل, وشعلة نورانية لا تنطفئ.. هي إحساس خفي وضيئ ممعن بالتوهج, من أين؟
ومالباعث لهذه الدوافع الحسية.؟
إنه التدفق المستفيض من الحنان في أبجدية الوجود الواعي منذ فجر الخليقة.
الأم.. غريزة عصماء, تتجدد في الوجدان الخفي, وتتفاعل تفاعلا" معطاء" سخيا".. تفاعلا" يمنح الأم كما" هائلا" من المشاعر البيضاء, المجردة من الشوائب الفعلية والحسية.. تفاعلا" يسكب في كيانها قدرات بذل وتضحية, يعجز عن إداراكها العقل.
وتتجاوز ابعادها كل منطق, وكل الأعراف في شتى ثوابتها.
الأم.. دفق علوي هتون, من الحب والحنان المتأجج, ومشاعر عفوية النزعات لا تخضع لشريعة, ولا يقيدها تشريع.
هي منة ربانية, تتميز بها الأم, عبر العصور, منذ يقظة الدهور.. مشاعر إيجابية النفحات.. تفيض ذخرا" بالتضحيات المستحيلة.. إعصارية التدفق.. ثورية التحديات.. عنيدة قادرة.
الأم.. فيض نور ينسكب في خلاياها.. يسكنها عند ولوجها مخاض الولادة.. يستوطن أوردتها.. ويعايشها.. يحلق بها إلى فضاءات التبدد الذاتي والبذل اللانهائي, تغيب عن كل محسوس وملموس.. تفيض آلامها لحظات إنبثاق الحياة من جذور حياتها, في لحظة الولادة المدموغة بوشم الأزل.
وخضاب الوجود, فتنصهر في الذات الكلية , عندها تهبط الملائكة من عليائها لتمجد إسم الله فيها.. وتنثر حولها نثيرا" شفيفا" قدسيا" يغمرها لحظة إنفصال الجنين عن أحشائها, فيتغنى بإسمها فرح الخلود.. وفي نشوة الإحساس الواعي, تتحول إلى نسمة منعشة, في لحظات القيظ.. ورعشة فرح في مطافات الحزن, كما تتحول برعم أمل في مدار اليأس.. وغفوة هناء في الليالي السود.
وتمر الأيام ووهجها في تألق متصاعد.. عواطف حميمة ملتهبة تعجز الظروف الجدباء عن إخمادها, بذاتها الكلي وخفقات قلبها, تحمي صغارها من ريب الدهر, بتضحياتها تدرأ عنهم عصف المجهول.. تسير معهم.. تخفف أعباءهم.. تعبر بهم جسور الإستحالة.. تنير دروبهم بشعاع الخير والصلاح.. تجللهم بنسيج الإيمان.. تسبغ عليهم رضا الله ودعاء جوارحها.
دعاء لحوحا" ثابت الإستمرارية.. تسيجهم بالعناية الإلهية.. ونظراتها ثاقبة تحترق الغيب.. تسابق الأبعاد, خوفا" من خفي تخشاه عليهم.. وعارض تأباه لهم.
ويمر قطار العمر وحشرجة ضوضائه تنذر بالمحظور, وهو يعبر محطات السنوات.. تمضي به القهقري إلى قرار الله المسكون بالصمت الأبدي, بعد أن داعبتها رياح الوهن والعجز.. وأثقل الدهر منكبيها.. وعبثت صروف الأيام بأوتارها, تمضي وهي مشرعة اليدين عبر إتساع الزمان, تضرع إلى الله ما شاء لها الحب أن تضرع, وتجرع من مرار الفراق ما شاء لها الحرمان أن تجرع.. تمضي تغيب, وهي شاخصة إلى السماء.
تستجدي عطف الباري ورعايته, لأجزائها المنتشرة عبر بقاع الأرض.. ترحل وشفتاها تتمتمان بالدعاء السخي.. وعلى لسانها لهاث الرضا.. تسبل جفنيها.. وفوق ثغرها إبتسامة الأمومة الواعدة.. والحنان السخي وتمضي راضية مرضية بما كان عليها.. وما كان.
Yolla
إإن السعادة لاتأتي.. إن لم نشعر بالأحزان..!